فصل: سَحَر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سجود السّهو

التّعريف

1 - السّهو لغةً‏:‏ نسيان الشّيء والغفلة عنه‏.‏

وسجود السّهو عند الفقهاء‏:‏ هو ما يكون في آخر الصّلاة أو بعدها لجبر خلل، بترك بعض مأمور به أو فعل بعض منهيّ عنه دون تعمّد‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - ذهب الحنفيّة والحنابلة في المعتمد عندهم إلى وجوب سجود السّهو‏.‏

قال الحنابلة‏:‏ سجود السّهو لما يبطل عمده الصّلاة واجب، ودليلهم حديث عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ «صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمساً، فلمّا انفتل توشوش القوم بينهم فقال‏:‏ ما شأنكم ‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه هل زيد في الصّلاة ‏؟‏ قال‏:‏ لا، قالوا‏:‏ فإنّك قد صلّيت خمساً، فانفتل ثمّ سجد سجدتين ثمّ سلّم، ثمّ قال‏:‏ إنّما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» وفي رواية‏:‏ «فإذا زاد الرّجل أو نقص فليسجد سجدتين» وحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى، أثلاثاً أم أربعاً ‏؟‏ فليطرح الشّكّ وليبن على ما استيقن، ثمّ يسجد سجدتين قبل أن يسلّم، فإن كان صلّى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلّى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشّيطان»‏.‏

وجه الدّلالة في الحديثين أنّهما اشتملا على الأمر المقتضي للوجوب‏.‏

ومذهب المالكيّة‏:‏ أنّ سجود السّهو سنّة سواء كان قبليّاً أم بعديّاً وهو المشهور من المذهب، وقيل‏:‏ بوجوب القبليّ، قال صاحب الشّامل‏:‏ وهو مقتضى المذهب‏.‏

ومذهب الشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّه سنّة‏.‏

لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كانت الرّكعة نافلةً والسّجدتان»‏.‏

أسباب سجود السّهو

أ - الزّيادة والنّقص‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على أنّه إذا تعمّد المصلّي أن يزيد في صلاته قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً، أو ينقص من أركانها شيئاً، بطلت صلاته‏.‏ لأنّ السّجود يضاف إلى السّهو فيدلّ على اختصاصه به، والشّرع إنّما ورد به في السّهو قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين»‏.‏

فإذا زاد المصلّي أو نقص لغفلة أو نسيان فقد اختلف العلماء في كيفيّة قضائه، وتفصيل ذلك يأتي في ثنايا البحث‏.‏

ب - الشّكّ‏:‏

4 - إذا شكّ المصلّي في صلاته فلم يدر كم صلّى أثلاثاً أم أربعاً، أو شكّ في سجدة فلم يدر أسجدها أم لا، فإنّ الجمهور ‏"‏ المالكيّة والشّافعيّة وروايةً للحنابلة ‏"‏ ذهبوا إلى أنّه يبني على اليقين وهو الأقلّ، ويأتي بما شكّ فيه ويسجد للسّهو‏.‏ ودليلهم حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلّى أو ثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلاثًا فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثاً صلّى أو أربعاً فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلّم» ولحديث «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليلق الشّكّ، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التّمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامّةً كانت الرّكعة نافلةً والسّجدتان، وإن كانت ناقصةً كانت الرّكعة تماماً لصلاته، وكانت السّجدتان مرغمتي الشّيطان»‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المصلّي إذا شكّ في صلاته، فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً وذلك أوّل ما عرض له استأنف، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا شكّ أحدكم في صلاته أنّه كم صلّى فليستقبل الصّلاة»‏.‏ وإن كان يعرض له كثيراً بنى على أكبر رأيه، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب» وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا سها أحدكم فلم يدر واحدةً صلّى أو ثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلاثاً فليبن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثاً صلّى أو أربعاً فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلّم»‏.‏

والاستقبال لا يكون إلاّ بعد الخروج من الصّلاة وذلك بالسّلام أو الكلام أو عمل آخر ممّا ينافي الصّلاة، والخروج بالسّلام قاعداً أولى، لأنّ السّلام عرف محلّلاً دون الكلام، ولا يصحّ الخروج بمجرّد النّيّة بل يلغو، ولا يخرج بذلك من الصّلاة، وعند البناء على الأقلّ يقعد في كلّ موضع يحتمل أن يكون آخر الصّلاة تحرّزاً عن ترك فرض القعدة الأخيرة وهي ركن‏.‏

وذهب الحنابلة في رواية إلى البناء على غالب الظّنّ، ويتمّ صلاته، ويسجد بعد السّلام، ودليلهم حديث عبد اللّه بن مسعود السّابق‏:‏ «إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب، فليتمّ عليه، ثمّ ليسلّم، ثمّ يسجد سجدتين»‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ واختار الخرقيّ التّفريق بين الإمام والمنفرد‏.‏ فجعل الإمام يبني على الظّنّ والمنفرد يبني على اليقين‏.‏ وهو الظّاهر في المذهب نقله عن أحمد والأثرم وغيره‏.‏ والمشهور عن أحمد‏:‏ البناء على اليقين في حقّ المنفرد، لأنّ الإمام له من ينبّهه ويذكّره إذا أخطأ الصّواب، فليعمل بالأظهر عنده، فإن أصاب أقرّه المأمومون، فيتأكّد عنده صواب نفسه، وإن أخطأ سبّحوا به، فرجع إليهم فيحصل له الصّواب على كلتا الحالتين وليس كذلك المنفرد، إذ ليس له من يذكّره فيبني على اليقين، ليحصل له إتمام صلاته ولا يكون مغروراً بها‏.‏ وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا غرار في الصّلاة»‏.‏

فإن استوى الأمران عند الإمام بنى على اليقين أيضاً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بسجود السّهو

5 - مذهب الحنفيّة‏:‏ جاء في الفتاوى الهنديّة نقلاً عن التتارخانية الأصل أنّ المتروك ثلاثة أنواع‏:‏ فرض، وسنّة، وواجب، ففي الفرض إن أمكنه التّدارك بالقضاء يقضي وإلاّ فسدت صلاته، وفي السّنّة لا تفسد، لأنّ قيام الصّلاة بأركانها وقد وجدت، ولا يجبر ترك السّنّة بسجدتي السّهو، وفي الواجب إن ترك ساهياً يجبر بسجدتي السّهو، وإن ترك عامداً لا‏.‏ ونقل عن البحر الرّائق أنّه لو ترك سجدةً من ركعة فتذكّرها في آخر الصّلاة سجدها وسجد للسّهو لترك التّرتيب فيه، وليس عليه إعادة ما قبلها، ولو قدّم الرّكوع على القراءة لزمه السّجود لكن لا يعتدّ بالرّكوع فيفرض إعادته بعد القراءة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ ترك الرّكن إن أمكنه تداركه وجب عليه التّدارك مع سجود السّهو وذلك إذا أتى به في الرّكعة نفسها إلى ما قبل عقد ركعة أخرى بالرّكوع لها، فإن كان ترك الرّكن في الرّكعة الأخيرة ثمّ سلّم لم يمكنه التّدارك بأداء المتروك بل عليه الإتيان بركعة أخرى ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد فعليه استئناف الصّلاة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن ترك ركناً سهواً لم يعتدّ بما فعله بعد المتروك حتّى يأتي بما تركه، فإن تذكّر السّهو قبل فعل مثل المتروك اشتغل عند الذّكر بالمتروك، وإن تذكّر بعد فعل مثله في ركعة أخرى تمّت الرّكعة السّابقة به ولغا ما بينهما‏.‏

فإن لم يعرف عين المتروك أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي‏.‏ وفي الأحوال كلّها سجد للسّهو‏.‏

وعند الحنابلة من نسي ركناً غير التّحريمة فذكره بعد شروعه في قراءة الرّكعة الّتي بعدها بطلت الرّكعة الّتي تركه منها فقط، لأنّه ترك ركناً ولم يمكن استدراكه فصارت الّتي شرع فيها عوضاً عنها، وإن ذكر الرّكن المنسيّ قبل شروعه في قراءة الرّكعة الّتي بعدها عاد لزوماً فأتى به وبما بعده‏.‏

الواجبات والسّنن الّتي يجب بتركها سجود السّهو

6 - اختلف الفقهاء في فيما يطلب له سجود السّهو‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى وجوب سجود السّهو بترك واجب من واجبات الصّلاة سهواً، ويجب عليه قضاؤه إذا لم يسجد للسّهو‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ لا تفسد بتركها وتعاد وجوباً في العمد والسّهو إن لم يسجد له، وإن لم يعدها يكون فاسقاً آثماً‏.‏

ومن واجبات الصّلاة عندهم القعدة الأولى من الصّلاة الرّباعيّة، ودعاء القنوت في الوتر، وتكبيرات العيدين وغيرها‏.‏

أمّا المالكيّة والشّافعيّة فقد قسّموا الصّلاة إلى فرائض وسنن‏.‏

فالمالكيّة يسجد عندهم لسجود السّهو لثمانية من السّنن وهي‏:‏ السّورة، والجهر، والإسرار، والتّكبير، والتّحميد، والتّشهّدان، والجلوس لهما‏.‏

أمّا الشّافعيّة فالسّنّة عندهم نوعان‏:‏ أبعاض وهيئات، والأبعاض هي الّتي يجبر تركها بسجود السّهو، فمنها التّشهّد الأوّل والقعود له، والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الأوّل، والصّلاة على الآل في التّشهّد الأخير، والقنوت الرّاتب في الصّبح، ووتر النّصف الأخير من رمضان، وقيامه، والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في القنوت‏.‏ وذهب الحنابلة إلى أنّ ما ليس بركن نوعان واجبات وسنن، فالواجبات تبطل الصّلاة بتركها عمداً، وتسقط سهواً أو جهلاً، ويجبر تركها سهواً بسجود السّهو كالتّكبير، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكبّر كذلك،«وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ صلّوا كما رأيتموني أصلّي»‏.‏ والتّسميع للإمام والمنفرد دون المأموم، والتّحميد وغيرها‏.‏

موضع سجود السّهو

7 - لم يتّفق الفقهاء على موضع سجود السّهو‏:‏ فقد رأى الحنفيّة أنّ موضع سجود السّهو بعد التّسليم مطلقًا سواء في الزّيادة أو النّقصان، أي أنّه يتشهّد ثمّ يسلّم تسليمةً واحدةً على الأصحّ ثمّ يسجد للسّهو ثمّ يتشهّد ثمّ يسلّم كذلك، فإن سلّم تسليمتين سقط السّجود لحديث ثوبان رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لكلّ سهو سجدتان بعدما يسلّم»‏.‏ ويروى نحو ذلك عن عليّ وسعد بن أبي وقّاص وابن مسعود وعمّار وابن عبّاس وابن الزّبير وأنس‏.‏

وذهب المالكيّة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة ورواية عن أحمد‏:‏ إلى التّفريق بين الزّيادة والنّقصان فإن وقع السّهو بالنّقص في الصّلاة فالسّجود يكون قبل السّلام‏.‏

ودليلهم حديث عبد اللّه بن مالك بن بحينة «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظّهر، ولم يجلس بينهما، فلمّا قضى صلاته سجد سجدتين»‏.‏

وأمّا الزّيادة فيسجد بعد السّلام لحديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه «قال‏:‏ صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمساً فقلنا‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ أزيد في الصّلاة ‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك ‏؟‏ قالوا‏:‏ صلّيت خمساً، إنّما أنا بشر مثلكم، أذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون، ثمّ سجد سجدتي السّهو» وروي عن ابن مسعود أنّه قال‏:‏ كلّ شيء شككت فيه من صلاتك من نقصان من ركوع أو سجود أو غير ذلك، فاستقبل أكثر ظنّك، واجعل سجدتي السّهو من هذا النّحو قبل التّسليم، فأمّا غير ذلك من السّهو فاجعله بعد التّسليم‏.‏

وإن جمع بين زيادة ونقص فيسجد قبل السّلام ترجيحًا لجانب النّقص‏.‏

والجديد وهو الأظهر عند الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد أنّه قبل السّلام، وروي ذلك عن أبي هريرة ومكحول والزّهريّ ويحيى الأنصاريّ‏.‏ ودليلهم حديث ابن بحينة وأبيّ - رضي الله عنه - «أنّه عليه الصلاة والسلام سجد قبل السّلام»‏.‏ كما سبق، ولأنّه يفعل لإصلاح الصّلاة، فكان قبل السّلام كما لو نسي سجدةً من الصّلاة‏.‏

وأمّا الحنابلة فذهبوا في المعتمد إلى أنّ السّجود كلّه قبل السّلام، إلاّ في الموضعين اللّذين ورد النّصّ بسجودهما بعد السّلام‏.‏ وهما إذا سلّم من نقص ركعة فأكثر، كما في حديث ذي اليدين «أنّه صلى الله عليه وسلم سلّم من ركعتين فسجد بعد السّلام»‏.‏ وحديث عمران بن حصين «أنّه سلّم من ثلاث فسجد بعد السّلام»‏.‏

والثّاني إذا تحرّى الإمام فبنى على غالب ظنّه كما في حديث ابن مسعود عندما تحرّى «فسجد بعد السّلام»‏.‏

وفي قول ثالث عند الشّافعيّة‏:‏ يتخيّر إن شاء قبل السّلام وإن شاء بعده‏.‏

تكرار السّهو في نفس الصّلاة

8 - إذا تكرّر السّهو للمصلّي في الصّلاة، لا يلزمه إلاّ سجدتان، لأنّ تكراره غير مشروع، ولأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين، وكلّم ذا اليدين»‏.‏

ولأنّه لو لم تتداخل لسجد عقب السّهو فلمّا أخّر إلى آخر صلاته دلّ على أنّه إنّما أخّر ليجمع كلّ سهو في الصّلاة‏.‏ وهذا مذهب جمهور الفقهاء‏.‏

نسيان سجود السّهو

9 - إذا سها المصلّي عن سجود السّهو فانصرف من الصّلاة دون سجود فإنّه يعود إليه ويؤدّيه على التّفصيل التّالي‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يسجد إن سلّم بنيّة القطع مع التّحوّل عن القبلة أو الكلام أو الخروج من المسجد، لكن إن سلّم ناسياً السّهو سجد ما دام في المسجد، لأنّ المسجد في حكم مكان واحد، ولذا صحّ الاقتداء فيه وإن كان بينهما فرجة، وأمّا إذا كان في الصّحراء فإن تذكّر قبل أن يجاوز الصّفوف من خلفه أو يمينه أو يساره أو يتقدّم على موضع سترته أو سجوده سجد للسّهو‏.‏

وأمّا المالكيّة‏:‏ فقد فرّقوا بين السّجود القبليّ والبعديّ، فإن ترك السّجود البعديّ يقضيه متى ذكره، ولو بعد سنين، ولا يسقط بطول الزّمان سواء تركه عمداً أو نسياناً، لأنّ المقصود ‏"‏ ترغيم الشّيطان ‏"‏ كما في الحديث‏.‏

وأمّا السّجود القبليّ فإنّهم قيّدوه بعدم خروجه من المسجد ولم يطل الزّمان، وهو في مكانه أو قربه‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إن سلّم سهواً أو طال الفصل بحسب العرف فإنّ سجود السّهو يسقط على المذهب الجديد لفوات المحلّ بالسّلام وتعذّر البناء بالطّول‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه إن نسي سجود السّهو الّذي قبل السّلام أو بعده أتى به ولو تكلّم، إلاّ بطول الفصل ‏"‏ ويرجع فيه إلى العادة والعرف من غير تقدير بمدّة ‏"‏ أو بانتقاض الوضوء، أو بالخروج من المسجد، فإن حصل شيء من ذلك استأنف الصّلاة، لأنّها صلاة واحدة لم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل، كما لو انتقض وضوءه‏.‏

وإن سجد للسّهو ثمّ شكّ هل سجد أم لا ‏؟‏ فعند الحنفيّة يتحرّى، ولكن لا يجب عليه السّجود‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا شكّ هل سجد سجدةً واحدةً أو اثنتين بنى على اليقين وأتى بالثّانية ولا سجود عليه ثانياً لهذا الشّكّ‏.‏

وكذلك لو شكّ هل سجد السّجدتين أو لا، فيسجدهما ولا سهو عليه، وإليه ذهب الحنابلة والشّافعيّة في وجه، والوجه الثّاني وهو الأصحّ عندهم أنّه لا يعيده‏.‏

سهو الإمام والمأموم

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تنبيه المأموم للإمام إذا سها في صلاته، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نابه شيء في صلاته فليقل‏:‏ سبحان اللّه»‏.‏

وفرّق الجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بين تنبيه الرّجال وتنبيه النّساء‏.‏

فالرّجال يسبّحون لسهو إمامهم، والنّساء يصفّقن بضرب بطن كفّ على ظهر الأخرى‏.‏ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ التّسبيح للرّجال والتّصفيق للنّساء» ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا نابكم أمر فليسبّح الرّجال وليصفح يعني ليصفّق النّساء»‏.‏

ولم يفرّق المالكيّة بين تنبيه الرّجال والنّساء فالجميع يسبّح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نابه شيء في صلاته فليقل‏:‏ سبحان اللّه»‏.‏

ويكره عندهم تصفيق النّساء في الصّلاة‏.‏

استجابة الإمام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم

11 - يرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الإمام إذا زاد في صلاته وكان الإمام على يقين أو غلب على ظنّه أنّه مصيب، حيث إنّه يرى أنّه في الرّابعة، والمأمومون يرون أنّه في الخامسة لم يستجب لهم‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا كثر عددهم بحيث يفيد عددهم العلم الضّروريّ فيترك يقينه ويرجع لهم فيما أخبروه به من نقص أو كمال، وإلاّ لم يعد‏.‏

وهذا إذا كان الإمام على يقين من نفسه، أمّا إذا شكّ ولم يغلب ظنّه على أمر عاد لقول المأمومين إذا كانوا ثقات أو كثر عددهم‏.‏ لحديث «ذي اليدين عندما أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسأل الرّسول صلى الله عليه وسلم النّاس فأجابوه»‏.‏

وهذا قول جمهور العلماء إلاّ الشّافعيّة، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الإمام إذا شكّ أصلّى ثلاثاً أم أربعاً أتى بركعة، لأنّ الأصل عدم إتيانه بها ولا يرجع لظنّه ولا لقول غيره أو فعله وإن كان جمعاً كثيراً، إلاّ أن يبلغوا حدّ التّواتر بقرينة‏.‏

وحديث ذي اليدين محمول على تذكّره بعد مراجعته، أو أنّهم بلغوا حدّ التّواتر‏.‏

سجود الإمام للسّهو

12 - إذا سها الإمام في صلاته ثمّ سجد للسّهو فعلى المأموم متابعته في السّجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسّهو‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك سواء كان قبل السّلام أو بعد السّلام‏.‏ لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به‏.‏‏.‏‏.‏ وإذا سجد فاسجدوا» ولحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السّهو»‏.‏

ولأنّ المأموم تابع للإمام وحكمه حكمه إذا سها، وكذلك إذا لم يسه‏.‏

أمّا إذا لم يسجد الإمام فذهب الحنفيّة وهو قول مخرّج عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة‏:‏ إلى أنّه لا يسجد المأموم لأنّه يصير مخالفاً، ولحديث ابن عمر «فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السّهو» وإلى هذا ذهب عطاء والحسن والنّخعيّ‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة على الصّحيح المنصوص عندهم وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّ المأموم يسجد للسّهو إذا لم يسجد الإمام، لأنّه لمّا سها دخل النّقص على صلاته بالسّهو فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته‏.‏

وبه قال الأوزاعيّ واللّيث وأبو ثور، وحكاه ابن المنذر عن ابن سيرين‏.‏

سجود المسبوق للسّهو

13 - اتّفق الفقهاء على وجوب متابعة المسبوق لإمامه في سجود السّهو إذا سبقه في بعض الصّلاة، ولكنّ الخلاف وقع في مقدار الإدراك من الصّلاة‏.‏

فذهب الجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المصلّي إذا أدرك مع إمامه أيّ ركن من أركان الصّلاة قبل سجود السّهو وجب عليه متابعة إمامه في سجوده للسّهو، وسواء كان هذا السّهو قبل الاقتداء أو بعده‏.‏ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتمّوا» وإن اقتدى به بعد السّجدة الثّانية من السّهو فلا سجود عليه‏.‏

ولكنّهم اختلفوا فيما لو اقتدى المسبوق بالإمام بعد السّجدة الأولى هل يقضيها أم لا ‏؟‏ فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا قضاء عليه بل تكفيه السّجدة الثّانية‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة نصّاً إلى أنّه يقضي الأولى بعد أن يسلّم الإمام، يسجدها ثمّ يقضي ما فاته‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وما فاتكم فأتمّوا»‏.‏

وذهب المالكيّة على المشهور وهو رواية عن أحمد إلى أنّه إذا لم يدرك المسبوق مع الإمام ركعةً من الصّلاة فلا سجود عليه، سواء أكان السّجود بعديّاً أو قبليّاً‏.‏ وإذا سجد مع إمامه بطلت صلاته عامداً أو جاهلاً، لأنّه غير مأموم حقيقةً، لذا لا يسجد بعد تمام صلاته، وأمّا البعديّ فتبطل بسجوده ولو لحق ركعةً‏.‏ قال الخرشيّ من المالكيّة‏:‏ وهو الصّواب‏.‏

سهو المأموم خلف الإمام‏:‏

14 - قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن ليس على من سها خلف الإمام سجود‏.‏

وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السّهو» ولأنّ المأموم تابع لإمامه، فلزمه متابعته في السّجود وتركه‏.‏

سهو الإمام أو المنفرد عن التّشهّد الأوّل

15 - من سها عن التّشهّد الأوّل، فسبّح له المأمومون أو تذكّر قبل انتصابه قائماً لزمه الرّجوع، وإن استتمّ قائماً لا يعود للتّشهّد لأنّه تلبّس بركن ويسجد للسّهو‏.‏ لحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قام الإمام في الرّكعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، فإن استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السّهو»‏.‏ وعن عبد اللّه بن بحينة‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى فقام في الرّكعتين فسبّحوا، فمضى، فلمّا فرغ من صلاته سجد سجدتين، ثمّ سلّم»‏.‏

وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ولكنّ الخلاف وقع فيما لو عاد بعد أن استتمّ قائماً، هل تبطل صلاته أم لا ‏؟‏

ذهب الحنفيّة والشّافعيّة على الصّحيح عندهم وسحنون من المالكيّة إلى أنّ المصلّي لو عاد إلى التّشهّد الأوّل بطلت صلاته‏.‏ لحديث المغيرة الّذي فيه النّهي عن أن يعود وهو قوله‏:‏ «وإذا استوى قائماً فلا يجلس»‏.‏ ولأنّه تلبّس بفرض فلا يجوز تركه لواجب أو مسنون‏.‏ وذهب المالكيّة على المشهور في المذهب والحنابلة على أنّ الأولى أن لا يعود لحديث المغيرة بن شعبة «وإذا استوى فلا يجلس» ولا تبطل صلاته إن عاد ولكنّه أساء، وكره، خروجاً من خلاف من أوجب المضيّ لظاهر الحديث‏.‏

واستثنى الحنابلة ما لو شرع الإمام في القراءة فإنّ صلاته تبطل إن عاد، لأنّه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الرّكوع‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنّ المصلّي إذا عاد للتّشهّد بعد أن استتمّ قائماً ناسياً أو جاهلاً من غير عمد فإنّ صلاته لا تبطل‏.‏

للحديث‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»‏.‏

سجود الشّكر

التّعريف

1 - السّجود تقدّم بيانه، والشّكر لغةً‏:‏ هو الاعتراف بالمعروف المسدى إليك، ونشره، والثّناء على فاعله، وضدّه الكفران، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ‏}‏ وحقيقة الشّكر‏:‏ ظهور أثر النّعمة على اللّسان والقلب والجوارح، بأن يكون اللّسان مقرّاً بالمعروف مثنياً به، ويكون القلب معترفًا بالنّعمة، وتكون الجوارح مستعملةً فيما يرضاه المشكور‏.‏

والشّكر للّه في الاصطلاح‏:‏ صرف العبد النّعم الّتي أنعم اللّه بها عليه في طاعته‏.‏

وسجود الشّكر شرعاً‏:‏ هو سجدة يفعلها الإنسان عند هجوم نعمة، أو اندفاع نقمة‏.‏

مشروعيّة سجود الشّكر

2 - اختلف الفقهاء في مشروعيّة السّجود للشّكر، فذهب الشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر وأبو يوسف ومحمّد وعليه الفتوى، وهو قول ابن حبيب من المالكيّة وعزاه ابن القصّار إلى مالك وصحّحه البنانيّ إلى أنّه مشروع‏.‏ لما ورد من حديث أبي بكرة رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر سرور - أو‏:‏ بشّر به - خرّ ساجداً شاكراً للّه»‏.‏

وسجد أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه حين فتح اليمامة حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذّاب‏.‏ وسجد عليّ رضي الله عنه حين وجد ذا الثّديّة بين قتلى الخوارج، وروي السّجود للشّكر عن جماعة من الصّحابة‏.‏

وروى أحمد في مسنده من حديث عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنه «أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يقول اللّه تعالى‏:‏ من صلّى عليك صلّيت عليه، ومن سلّم عليك سلّمت عليه فسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم شكراً للّه»‏.‏ وذكر الحاكم «أنّه صلى الله عليه وسلم سجد لرؤية زمن، وأخرى لرؤية قرد، وأخرى لرؤية نغاشيّ»‏.‏

قال الحجّاويّ‏:‏ النّغاشيّ قيل‏:‏ هو ناقص الخلقة، وقيل‏:‏ هو المبتلى، وقيل‏:‏ مختلط العقل‏.‏

واستدلّوا أيضًا بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سجدة ص‏:‏ سجدها داود توبةً، وأسجدها شكراً»، وبحديث كعب بن مالك رضي الله عنه عند البخاريّ أنّه «لمّا بشّر بتوبة اللّه عليه خرّ ساجداً»‏.‏

وذهب أبو حنيفة ومالك على المشهور عنه، والنّخعيّ على ما حكاه عنه ابن المنذر إلى أنّ السّجود للشّكر غير مشروع‏.‏

قال البنانيّ‏:‏ وجه المشهور عن مالك عمل أهل المدينة، وذلك لما في العتبيّة أنّه قيل لمالك‏:‏ إنّ أبا بكر الصّدّيق سجد في فتح اليمامة شكراً، قال‏:‏ ما سمعت ذلك، وأرى أنّهم كذبوا على أبي بكر، وقد فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين فما سمعت أنّ أحداً منهم سجد‏.‏

واحتجّ ابن المنذر لأصحاب هذا القول بأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو يخطب، فرفع يديه ودعا، فسقوا في الحال ودام المطر إلى الجمعة الأخرى، فقال رجل يا رسول اللّه‏:‏ تهدّمت البيوت وتقطّعت السّبل فادع اللّه يرفعه عنّا، فدعا فرفعه في الحال» قال‏:‏ فلم يسجد النّبيّ صلى الله عليه وسلم لتجدّد نعمة المطر أوّلاً، ولا لرفع نقمته آخراً‏.‏ واحتجّ أيضاً بأنّ الإنسان لا يخلو من نعمة، فإن كلّفه لزم الحرج‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - مذهب الشّافعيّة والحنابلة في حكم سجود الشّكر عند وجود سببه أنّه سنّة، لما ورد من الأحاديث الدّالّة على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يفعله‏.‏

وقد أفاد الزّرقانيّ - على القول بمشروعيّته عند المالكيّة - أنّه على هذا القول غير مطلوب، أي ليس مستحبّاً، ولكنّه جائز فقط‏.‏

ومشهور مذهب المالكيّة أنّ سجود الشّكر مكروه، وهو نصّ مالك، والظّاهر أنّها عنده كراهة تحريم‏.‏

ومذهب أبي حنيفة الكراهة، إلاّ أنّهم صرّحوا بما يدلّ على أنّها كراهة تنزيه، فعبارة الفتاوى الهنديّة‏:‏ سجدة الشّكر لا عبرة بها، وهي مكروهة عند أبي حنيفة لا يثاب عليها، وتركها أولى‏.‏

أسباب سجود الشّكر

4 - يشرع سجود الشّكر عند من قال به لطروء نعمة ظاهرة، كأن رزقه اللّه ولدًا بعد اليأس، أو لاندفاع نقمة كأن شفي له مريض، أو وجد ضالّةً، أو نجا هو أو ماله من غرق أو حريق‏.‏ أو لرؤية مبتلىً أو عاص أي شكراً للّه تعالى على سلامته هو من مثل ذلك البلاء وتلك المعصية‏.‏

وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يسنّ السّجود سواء كانت النّعمة الحاصلة أو النّقمة المندفعة خاصّةً، به أو بنحو ولده، أو عامّةً للمسلمين، كالنّصر على الأعداء، أو زوال طاعون ونحوه‏.‏

وفي قول عند الحنابلة‏:‏ يسجد لنعمة عامّة ولا يسجد لنعمة خاصّة، قدّمه ابن حمدان في الرّعاية الكبرى‏.‏

ثمّ إنّه عند الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ لا يشرع السّجود لاستمرار النّعم لأنّها لا تنقطع‏.‏

ولأنّ العقلاء يهنّئون بالسّلامة من الأمر العارض ولا يفعلونه كلّ ساعة‏.‏

قال الرّمليّ‏:‏ وتفوت سجدة الشّكر بطول الفصل بينها وبين سببها‏.‏

شروط سجود الشّكر

5 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ سجود الشّكر يشترط له ما يشترط للصّلاة، أي من الطّهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النّجاسة‏.‏

وعلى هذا فمن كان فاقد الطّهورين ليس له أن يسجد للشّكر كما صرّح به الشّرقاويّ‏.‏

وعلى القول بجواز سجود الشّكر عند المالكيّة فالمشهور أنّه يفتقر إلى طهارة على ظاهر المذهب، واختار بعض المالكيّة عدم افتقاره إلى ذلك، قال الحطّاب‏:‏ لأنّ سرّ المعنى الّذي يؤتى بالسّجود لأجله يزول لو تراخى حتّى يتطهّر‏.‏

واختار ابن تيميّة أنّه لا يشترط الطّهارة لسجود الشّكر‏.‏

كيفيّة سجود الشّكر

6 - يصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ سجود الشّكر تعتبر في صفاته صفات سجود التّلاوة خارج الصّلاة، وإذا أراد أن يسجد للشّكر للّه تعالى يستقبل القبلة ويكبّر ويسجد سجدةً يحمد اللّه تعالى فيها ويسبّحه‏.‏ ثمّ يكبّر تكبيرةً أخرى ويرفع رأسه‏.‏

قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ كما في سجود التّلاوة، وقد قال في سجود التّلاوة‏:‏ يكبّر للسّجود ولا يرفع يديه‏.‏ وإذا رفع من السّجود فلا تشهّد عليه ولا سلام‏.‏

غير أنّ في التّشهّد والتّسليم عند الشّافعيّة من سجود الشّكر بعد الرّفع ثلاثة أقوال أصحّها‏:‏ أنّه يسلّم ولا يتشهّد‏.‏

وعند الحنابلة اختلاف في سجود التّلاوة هل يرفع يديه عند تكبيرتها الأولى أم لا، ومقتضى ذلك جريان الخلاف في مثل ذلك في سجدة الشّكر، ويسلّم، ولا تشهّد عليه‏.‏

وصرّحوا أيضاً بأنّه يعتبر في سجود الشّكر السّجود على الأعضاء السّبعة، وأنّ ذلك ركن فيه، ويجب فيه التّكبير والتّسبيح، إلاّ أنّه ليس فيه تشهّد ولا جلوس له، وأنّه تجزئ فيه تسليمة واحدة‏.‏

سجود الشّكر في الصّلاة

7 - يصرّح الشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز أن يسجد للشّكر وهو في الصّلاة، لأنّ سببها خارج عن الصّلاة، فإن سجد في الصّلاة بطلت صلاته‏.‏

قالوا‏:‏ إلاّ أن يكون جاهلاً أو ناسياً فلا تبطل، كما لو زاد في الصّلاة سجدةً نسياناً‏.‏

وفي قول عند الحنابلة‏:‏ لا بأس بسجود الشّكر في الصّلاة‏.‏

وقد اختلف في سجدة سورة ‏(‏ص‏)‏ فقيل‏:‏ هي للشّكر، وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة والحنابلة لما روى البخاريّ «عن ابن عبّاس أنّه قال‏:‏ ص ليست من عزائم السّجود، وقد رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسجد فيها»‏.‏

وروى النّسائيّ«أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سجدها داود توبةً، ونسجدها شكراً»‏.‏ وقيل‏:‏ هي للتّلاوة وإليه ذهب الحنفيّة‏.‏

من أجل ذلك فلو سجد عند سجدة سورة ‏(‏ص‏)‏ في الصّلاة بطلت صلاته عند الحنابلة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ما لم يكن جاهلاً أو ناسياً‏.‏

أمّا عند الحنفيّة فلا تبطل، وقد وافقهم على ذلك بعض الشّافعيّة من حيث إنّها وإن كانت للشّكر إلاّ أنّ لها تعلّقاً بالصّلاة، فهي ليست لمحض الشّكر، وهو وجه عند الحنابلة كما في المغني‏.‏

قال الرّمليّ من الشّافعيّة‏:‏ إن كان ناسياً أو جاهلاً لا تبطل صلاته، ويسجد للسّهو، والعالم بحكمها لو سجد إمامه لم يجز له متابعته بل يتخيّر بين انتظاره ومفارقته، وانتظاره أفضل‏.‏

سجود الشّكر في أوقات النّهي

8 - يكره عند الحنفيّة أن يسجد للشّكر في الوقت الّذي يكره فيه النّفل‏.‏

وعند الحنابلة لا ينعقد في تلك الأوقات تطوّع وإن كان له سبب كسجود شكر‏.‏

ولا يسجد للشّكر أثناء استماعه لخطبة الجمعة‏.‏

إظهار سجود الشّكر وإخفاؤه

9 - صرّح الشّافعيّة بأنّ من سجد لنعمة أو اندفاع نقمة لا تتعلّق بغير السّاجد يستحبّ إظهار السّجود، وإن سجد لبليّة في غيره وصاحبها غير معذور كالفاسق، يظهر السّجود فلعلّه يتوب، وإن كان معذوراً كالزّمن ونحوه أخفاه لئلاّ يتأذّى به، وعبّر عن ذلك الحنابلة بأنّ السّجود لرؤية المبتلى إن كان مبتلىً في دينه سجد بحضوره أو بغير حضوره، وقال‏:‏ الحمد للّه الّذي عافاني ممّا ابتلاك به‏.‏ وإن كان البلاء في بدنه سجد وقال ذلك، وكتمه عنه، ويسأل اللّه العافية، وقد قال إبراهيم النّخعيّ‏:‏ كانوا يكرهون أن يسألوا اللّه العافية بحضرة المبتلى‏.‏

سحاق

التّعريف

1 - السّحاق والمساحقة لغةً واصطلاحاً‏:‏ أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرّجل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الزّنى‏:‏

2 - الزّنى في اللّغة‏:‏ الفجور‏.‏ يقال‏:‏ زنى يزني زنىً وزناءً - بكسرها -‏:‏ إذا فجر‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرّم لعينه مشتهىً طبعاً بلا شبهة‏.‏

فالزّنى والسّحاق يتّفقان من حيث الحرمة حيث إنّ كلّاً منهما استمتاع محرّم، ويختلفان من حيث الحقيقة والمحلّ والأثر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ السّحاق حرام لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «السّحاق زنى النّساء بينهنّ»‏.‏ وقد عدّه ابن حجر من الكبائر‏.‏

أثر السّحاق على الوضوء

4 - اختلف الفقهاء في نقض السّحاق للوضوء‏.‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ تماسّ الفرجين سواء كان من جهة القبل أو الدّبر ينقض الوضوء ولو بلا بلل - وهو عندهم ناقض حكميّ - واشترطوا أن يكون تماسّ الفرجين من شخصين مشتهيين وهو ما يفهم من مذهب المالكيّة حيث قالوا‏:‏ لمس امرأة لأخرى بشهوة ينقض الوضوء، لأنّ كلّاً منهما تلتذّ بالأخرى‏.‏

وصرّح الحنابلة بأنّه لا نقض بمسّ قبل امرأة لقبل امرأة أخرى أو دبرها‏.‏ وهو مذهب الشّافعيّة‏.‏

أثره على الغسل

5 - اتّفق الفقهاء على وجوب الغسل إذا حصل إنزال بالسّحاق، إذ أنّ خروج المنيّ من موجبات الغسل، أمّا إذا لم يحصل إنزال فلا يجب الغسل‏.‏

أثره على الصّوم

6 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا حصل إنزال بالسّحاق فإنّه يفسد الصّوم ويجب القضاء على من أنزلت‏.‏ إذ أنّ خروج المنيّ عن شهوة بالمباشرة مفسد للصّوم‏.‏

قال الكمال بن الهمام‏:‏ وعمل المرأتين أيضاً كعمل الرّجال جماع فيما دون الفرج لا قضاء على واحدة منهما إلاّ إذا أنزلت ولا كفّارة مع الإنزال‏.‏

وأوجب المالكيّة الكفّارة عليها حينئذ‏.‏ أمّا إذا لم يحصل إنزال فإنّ الصّوم صحيح‏.‏

وهذا في خروج المنيّ أمّا إذا حصل بالسّحاق خروج المذي فقط فمذهب المالكيّة والحنابلة أنّ خروج المذي بلمس أو قبلة أو مباشرة مفسد للصّوم كذلك، خلافاً للحنفيّة والشّافعيّة‏.‏ وينظر مصطلح ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

عقوبة السّحاق

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا حدّ في السّحاق، لأنّه ليس زنىً‏.‏

وإنّما يجب فيه التّعزير، لأنّه معصية وينظر ‏(‏تعزير، زنىً‏)‏‏.‏

نظر المساحقة إلى المرأة المسلمة

8 - اختلف فقهاء الشّافعيّة في جواز نظر المرأة المساحقة إلى المرأة المسلمة‏.‏

فذهب العزّ بن عبد السّلام وابن حجر الهيتميّ وعميرة البرلّسيّ إلى منعه وحرمة التّكشّف لها لأنّها فاسقة، ولا يؤمن أن تحكي ما تراه‏.‏

وذهب البلقينيّ والرّمليّ والخطيب الشّربينيّ إلى جوازه، لأنّها من المؤمنات، والفسق لا يخرجها عن ذلك‏.‏

ردّ شهادة المساحقة

9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يشترط في قبول شهادة الشّاهد أن يكون عدلاً، فلا تقبل شهادة الفاسق‏.‏ ولمّا كان فعل السّحاق مفسّقاً ومسقطاً للعدالة فإنّه لا تقبل شهادة المساحقة‏.‏ وهذا وإن لم يصرّح الفقهاء بردّ الشّهادة بالسّحاق إلاّ أنّه مفهوم من كلامهم وقواعدهم العامّة في قبول الشّهادة وردّها‏.‏

سحب

التّعريف

1 - السّحب في اللّغة‏:‏ جرّك الشّيء على وجه الأرض كالثّوب وغيره‏.‏

والسّحب عند الشّافعيّة‏:‏ أن يعطى النّقاء المتخلّل بين أيّام الحيض حكم الحيض، قال الشّروانيّ‏:‏ وإنّما سمّوه بذلك لأنّنا سحبنا الحكم بالحيض على النّقاء فجعلنا الكلّ حيضاً‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - سبق أنّ السّحب يراد به الحكم على النّقاء المتخلّل في أيّام الحيض‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة على القول الرّاجح إلى أنّ أيّام الدّم وأيّام النّقاء كلاهما حيض بشرط إحاطة الدّم لطرفي النّقاء المتخلّل‏.‏

وزاد الشّافعيّة شرطين آخرين وهما‏:‏ أن لا يجاوز ذلك خمسة عشر يوماً، وأن لا تنقص الدّماء عن أقلّ الحيض‏.‏

وذهب المالكيّة والشّافعيّة في قولهم الثّاني والحنابلة‏:‏ إلى أنّ أيّام الدّم حيض، وأيّام النّقاء طهر، وتلفّق من أيّام الدّم حيضها‏.‏ ويطلق الشّافعيّة على هذا القول ‏"‏ التّلفيق ‏"‏ أو‏"‏ اللّقط ‏"‏‏.‏ وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏تلفيق 13 /286‏)‏‏.‏

3 - كما اختلف الفقهاء في حكم تقطّع دم الحيض ومجاوزته أكثر الحيض‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى القول بالسّحب‏.‏

فمذهب الحنفيّة أنّ المبتدأة حيضها عشرة أيّام من أوّل ما ترى الدّم، أمّا المعتادة فإنّ عادتها المعروفة في الحيض حيض، وعادتها في الطّهر طهر‏.‏

وعند الشّافعيّة أنّ لذات التّقطّع أربعة أحوال‏:‏ أحدها‏:‏ أن تكون مميّزةً بأن ترى يوماً وليلةً دماً أسود، ثمّ يوماً وليلةً نقاءً، ثمّ يوماً وليلةً أسود، ثمّ يوماً وليلةً نقاءً، وكذا مرّة ثالثة ورابعة وخامسة ثمّ ترى بعد هذه العشرة يوماً وليلةً دماً أحمر، ويوماً وليلةً نقاءً، ثمّ مرّة ثانية وثالثة، وتجاوز خمسة عشر متقطّعاً كذلك، أو متّصلاً دماً أحمر‏.‏

فهذه المميّزة تردّ إلى التّمييز فيكون العاشر فما بعده طهراً‏.‏ والتّسعة كلّها حيض على قول السّحب الرّاجح‏.‏ وإنّما لم يدخل معها العاشر، لأنّ النّقاء إنّما يكون حيضاً على قول السّحب إذا كان بين دمي الحيض‏.‏ وهذا يجري في المبتدأة والمعتادة المميّزة‏.‏

الحال الثّاني‏:‏ أن تكون ذات التّقطّع معتادةً غير مميّزة‏.‏ وهي حافظة لعادتها، وكانت عادتها أيّامها متّصلةً لا تقطّع فيها فتردّ إلى عادتها‏.‏

فيكون كلّ دم يقع في أيّام العادة مع النّقاء المتخلّل بين الدّمين يكون جميعه حيضاً‏.‏

فإن كانت عادتها من أوّل كلّ شهر خمسة أيّام فتقطّع دمها يوماً ويوماً وجاوز خمسة عشر فحيضها الخمسة الأولى دماً ونقاءً‏.‏

الحال الثّالث‏:‏ أن تكون مبتدأةً لا تمييز لها‏.‏

وفيها قولان‏:‏ أظهرهما‏:‏ أنّها تردّ إلى أقلّ الحيض وهو يوم وليلة‏.‏

والثّاني أنّها تردّ إلى غالب الحيض وهو ستّة أو سبعة‏.‏ وإن رددناها إلى يوم وليلة، فحيضها يوم وليلة سواء سحبنا أو لقطنا‏.‏

الحال الرّابع‏:‏ النّاسية، وهي ضربان‏:‏

أحدها‏:‏ من نسيت قدر عادتها ووقتها وهي المتحيّرة‏.‏

والثّاني‏:‏ من نسيت قدر عادتها وذكرت وقتها، أو نسيت الوقت وذكرت القدر‏.‏

والصّحيح من القولين فيهما‏:‏ أنّه يلزمها الاحتياط، فتحتاط في أزمنة الدّم، وأزمنة النّقاء أيضاً‏.‏ وسيأتي تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏متحيّرة‏)‏‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة إلى القول بالتّلفيق‏.‏

فعند المالكيّة تلفّق المبتدأة نصف شهر، وتلفّق المعتادة عادتها واستظهارها‏.‏

وعند الحنابلة تلفّق المبتدأة أقلّ الحيض‏.‏ والمعتادة عادتها ثمّ هي بعد أيّام التّلفيق مستحاضة‏.‏ وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلفيق، 13 /288‏)‏‏.‏

سحت

التّعريف

1 - السّحت لغةً‏:‏ ما خبث وقبح من المكاسب فلزم عنه العار وقبيح الذّكر، وهو بضمّ الحاء وسكونها‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ كلّ مال حرام لا يحلّ كسبه ولا أكله، وسمّي بذلك لأنّه يسحت الطّاعات أي يذهبها‏.‏

وقد يخصّ به الرّشوة وما يأخذه الشّاهد والقاضي، والسَّحت ‏"‏ بفتح السّين ‏"‏ والإسحات‏:‏ الاستئصال والإهلاك، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ‏}‏ أي يستأصلكم‏.‏

ومن السّحت‏:‏ الرّبا والرّشوة والغصب والقمار والسّرقة ومهر البغيّ وحلوان الكاهن والمال المأكول بالباطل‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الغصب‏:‏

2 - الغصب هو في اللّغة‏:‏ أخذ الشّيء ظلماً، وفي الاصطلاح‏:‏ الاستيلاء على حقّ الغير عدواناً‏.‏ فالغصب نوع من السّحت، والسّحت أشمل منه لأنّه كلّ كسب خبيث‏.‏

الحكم التّكليفيّ

ينقسم السّحت إلى أنواع منها‏:‏

الرّشوة‏:‏

3 - أجمع الفقهاء على أنّ الرّشوة - ما يعطى لإبطال حقّ، أو لإحقاق باطل - نوع من السّحت لا خلاف في حرمته وأنّه يؤدّي إلى الكفر إذا استحلّه الآخذ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ‏}‏ أي كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرّشا، ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ لحم أنبته السّحت فالنّار أولى به قيل‏:‏ يا رسول اللّه وما السّحت ‏؟‏ قال‏:‏ الرّشوة في الحكم»‏.‏

ومن هذا النّوع الهديّة للحاكم أو القاضي أو صاحب الجاه، لما روي من أنّ القاضي إذا أخذ الهديّة فقد أكل السّحت، وإذا أخذ الرّشوة بلغت به الكفر ولخبر‏:‏ «هدايا العمّال سحت» لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «هدايا الأمراء سحت»‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح ‏(‏رشوة‏)‏‏.‏

كسب الحجّام‏:‏

4 - من أنواع السّحت كسب الحجّام‏:‏ أي أجرته من الحجامة حيث ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة أجرة الحجامة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كسب الحجّام خبيث» وفي رواية‏:‏ «شرّ المكسب مهر البغيّ وثمن الكلب وكسب الحجّام»‏.‏ الحديث‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ من السّحت كسب الحجّام»‏.‏

إلاّ أنّ جمهور الفقهاء يرى إباحة الاستئجار للحجامة، وأنّ أجر الحجّام مباح، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «احتجم وأعطى الحجّام أجره»‏.‏، ولو كان حراماً لم يعطه، ولم يكن يأذن أن يطعم بها أحد إلاّ أنّ كثيراً من المجيزين يرى أنّ الحجامة من الحرف الدّنيئة لما فيها من ملابسة النّجاسة كالكناسة فيكره للإنسان أن يحترف بها، قال القرطبيّ‏:‏ الصّحيح في كسب الحجّام أنّه طيّب ومن أخذ طيّباً لا تسقط مروءته ولا تنحطّ مرتبته، وقال ابن عبد البرّ بعد ما ذكر حديث احتجام النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا يدلّ على أنّ كسب الحجّام طيّب، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم لا يجعل ثمناً ولا جعلاً عوضاً لشيء من الباطل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ حجامة، أجرة، كسب‏)‏‏.‏

مهر البغيّ‏:‏

5 - من أنواع السّحت مهر البغيّ، وهو ما تأخذه الزّانية في مقابل الزّنى، سمّي مهراً مجازاً‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على حرمته لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «شرّ المكاسب ثمن الكلب وكسب الحجّام ومهر البغيّ»‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من السّحت مهر البغيّ» الحديث‏.‏

قال ابن القيّم‏:‏ يجب التّصدّق بمهر الزّانية لأنّه كسب خبيث ولا يردّ إلى الدّافع، لأنّه دفعه باختياره في مقابل عوض لا يمكن لصاحبه استرجاعه، ولكي لا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏زنًى، مهر، أجرة‏)‏‏.‏

حلوان الكاهن‏:‏

6 - من أنواع السّحت كذلك حلوان الكاهن، وهو ما يأخذه الكاهن مقابل إخباره عمّا سيكون، ومطالعة الغيب في زعمه، وهو حرام بإجماع الفقهاء‏.‏

لما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال في كسب الحجّام ومهر البغيّ وثمن الكلب والاستعجال في القضيّة وحلوان الكاهن وعسب الفحل والرّشوة في الحكم وثمن الخمر وثمن الميتة‏:‏ من السّحت‏.‏ ولما فيه من أخذ العوض على أمر باطل‏.‏

وفي معناه التّنجيم والضّرب بالحصى وغير ذلك ممّا يتعاطاه العرّافون من استطلاع الغيب‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏كهانة، عرافة‏)‏‏.‏

ثمن الكلب والخنزير والخمر وما شابهها‏:‏

7 - من أنواع السّحت ثمن الكلب والخنزير والخمر، والميتة والأصنام‏.‏

وهذه الأنواع متّفق على حرمتها لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»‏.‏

ولما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ من السّحت كسب الحجّام ومهر البغيّ وثمن الكلب وثمن الخمر وثمن الميتة‏.‏ الحديث‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع، أجرة، ثمن‏)‏‏.‏

ما أخذ بالحياء‏:‏

8 - من أنواع السّحت ما أخذ بالحياء وليس عن طيب نفس كمن يطلب من غيره مالاً بحضرة النّاس فيدفع إليه الشّخص بباعث الحياء والقهر‏.‏ راجع مصطلح‏:‏ ‏(‏حياء‏)‏‏.‏

سَحَر

انظر‏:‏ تهجّد‏.‏